الأربعاء، 5 فبراير 2014

رحلة إلى تمنراست . جوهرة السياحة الجزائرية تستقبلك ملكا وتضيفك كرما حاتميا

يجذب سحر ولاية تمنراست زائرها من أول لحظة تطأ فيها أقدامه مطار أقنار، حيث يشاع عنها أن جميع من استنشق هواءها العليل مرة واحدة سيرجع حتما لزيارتها مرات أخرى، كما هو حال من يشرب من ماء عين الفوارة بولاية سطيف. ترحاب أهل المدينة والاستقبال الحار الذي يحظى به الزائر للمدينة من قبل سكانها ابتداء من العاملين بالمطار مرورا بعمال الوكالات السياحية وعمال الفنادق، فكل ما فيها يعطيك شعورا أنك ملك محاط بحاشية تسهر على راحته وأمنه. ''الحوار'' قطعت مسافة 2000 كيلومتر والتقت أهل الجنوب في فترة تميزت بتحضيرات خاصة لعيد الأضحى المبارك، فجالت في سوق الماشية بتمنراست، وتوغلت بين الموالين الذين أكدوا نوعية لحم خروف المنطقة أو ما يعرف ب''السيداون''، وتعرّفت على طريقة إحياء سكان الولاية ليوم عرفات وتحضيرها ليوم العيد ينصح خبراء السفر إلى منطقة تمنراست بالتنسيق مع إحدى الوكالات السياحية بالمنطقة، فإن كنت من الراغبين في قضاء عطلة مريحة عليك بالتجول في الولاية رفقة دليل سياسي محترف، فسيجعل رحلتك أمتع وأريح، قال لنا أحد الأشخاص المعتادين على زيارة المنطقة. وفعلا تقيدنا بتعليماته وكان محمد منصور دليلنا ومرشدنا خلال يومين من التجوال، حيث تكفلت الوكالة السياحية التي يعمل بها بتحضير برنامج سياحي شيق، فحتى مع طول الرحلة في الطائرة بين العاصمة وتمنراست التي استغرقت ساعتين ونصف من الزمن، وكأننا نقطع المسافة متنقلين بين قارتين، إلا أننا لم نشعر بالتعب ونحن نصل مطار أقنار حاج باي أخموك في ساعة متقدمة من الليل، ونحن نفاجأ بتغيير وجهتنا فبدل الذهاب مباشرة إلى فندق تاهات أقدم فنادق المنطقة، ارتأى منظمو الرحلة تمتيعنا قليلا بعشاء تقليدي في الهواء الطلق وكانت التجربة فريدة من نوعها امتزجت فيها رائحة الجمر برائحة الطعام التقليدي وزادها جمالا منظر النجوم التي تبدو كأنها في متناول اليد لشدة صفاء الجو.

الشاي الصحراوي سرّه في تحضيره من قبل الرجال : يتميز الرجل الصحراوي، أو بالأصح الترقي، بتوليه مهام الطبخ وإعداد الشاي عن بقية الرجال، فكل ما يراه رجل الشمال من أعمال مقتصرا على المرأة فقط، يجده رجل الجنوب من وظائفه الأساسية التي لا يمكنه التنازل عنها مهما كان السبب، ويتفنن في القيام بها، ابتداء من إعداد نار الطبخ باستعمال الأخشاب الجافة لأغصان بعض الشجيرات، فلا أشهى ولا ألذ من طعم لحم الخروف المشوي على نار الجمر الصحراوية، حيث يتطلب طهيه وقتا طويلا وصبرا كبيرا لا يتحملهم إلا الرجل الأزرق الذي يمضي ساعات وساعات أمامها وهو يقلب الخروف المتبل بالبهارات الصحراوية التي تجعل من الرائحة تنبعث على بعد عشرة أمتار.

ولدى إشراف اللحم على النضج يشرع الرجل الترقي في إعداد الشاي المميز الذي لا يفارق خيمته أبدا، حاولنا كشف السرّ وراء الطعم والمفعول المميز للشاي الصحراوي، إلا أننا فشلنا في ذلك، فلا يقبل الرجل الأزرق كشف سرّه لأحد، فكما قال لنا أحد التوارق الذي كان منهمكا في تحضير كمية كبيرة من الشاي، يرحب الرجل الترقي بضيفه ويحسن ضيافته ويكرمه ويكون مستعدا لتمضية النهار كاملا في إعداد الشاي لهذا الضيف، إلا أنه لن يرضى أبدا بكشف سرّه وسرّ أجداده الذي يبقى حكرا على التوارق وحسب.
بعد تناول وجبة العشاء يعد لك الرجل الأزرق خيمة خاصة وجميلة مخصصة لاستقبال الضيوف مزينة بديكورات من الجلد الخالص، حيث يدعوك، لتقليد راسخ لدى أجداده، إلى تناول الفناجين الثلاثة المتوالية للشاي، والتي تحتفظ هي الأخرى بسرّ آخر. فالفنجان الأول طعمه مرّ أما الثاني معتدل، والأخير حلو ومخفف، وعندما سألنا مرشدنا محمد منصور عن هذا السرّ، قال: ''الفنجان الأول يرمز لصعوبة وقساوة العيش في الصحراء ومرارتها كما أنه يرمز للموت، بينما الثاني فيحمل في طعمه المعتدل، اعتدال العيش وتزاوج السهل بالصعب كما أنه يرمز لنمط عيش الرجل الترقي المتقلبة بين مصاعب الصحراء ووعورتها، وبين راحة البال وصفائه لدى اختلائه بنفسه في هذه الأرض الساحرة بصمتها وهدوئها، بينما يرمز الفنجان الثالث إلى سعادة الرجل الترقي وحلاوة عيشه في بيئته الصحراوية''.
سوق الماشية... يتمنى الجزائريون لو اقتنوا أضاحيهم منه : تزامن تواجدنا بولاية تمنراست مع فترة التحضير لعيد الأضحى المبارك، وكان من اللازم أن نعرج على سوق الماشية التي تتوسط المدينة والمحاذية للسوق الكبير، حيث وجدنا شاحنات من الحجم الكبير متراصة الواحدة أما الأخرى محملة إما بالكلأ وإما بالماشية، فالكلأ غير متوفر ما يضطر سكان المنطقة إلى استقدامه من منطق الرعي المجاورة، وحتى من بعض الولايات الداخلية. إلا أنه وبالرغم من ذلك لا يعدّ سعر الكلأ مرتفعا جدا مثلما كنا نتصوره، والأدهى من ذلك أسعار الماشية ليست مرتفعة هي الأخرى. فكبش السيداون، كما يلقب هناك، لا يتجاوز سعره 10 آلاف دينار، في وقت من المعروف والمتعارف أن جميع الموالين يرفعون من أسعار ماشيتهم، فبينما بلغ سعر الكبش في العاصمة وباقيالولايات الأخرى 30 ألف دينار في معظم الأحيان، بقي سعر السيداون 10 آلاف دينار، ما جعل مرشدنا يقول لنا يتمنى الجزائريون لو اقتنوا جميعهم أضاحي العيد من هنا.
منطقة تاقمرت... جوهرة تمنراست : تنظم الوكالات السياحية الرحلات الصحراوية التي تعرف باسم السفاري، ومن بين الوجهات التي اختارتها الوكالة التي صحبتنا في رحلتنا، منطقة تاقمرت، وهي عبارة عن محمية طبيعية داخل محمية الطاسيلي، تتميز بمنحوتاتها الأثرية وحجارتها القديمة التي تعود الرسومات المنقوشة عليها إلى آلاف السنين، والتي لم تستطع السنون بالرغم من تعاقبها بكل ما حملته معها من تغيرات مناخية وبيئية من أن تمحوها.

تبعد المنطقة عن مقر الولاية بحوالي 50 كلم تقريبا، بلوغها يتطلب منّا، حسب ما أوضحه لنا مرشدنا، اتخاذ مسلك النحوتات الأثرية الذي يقود من تمنراست إلى مدينة جانت. ويعود تاريخ هذا الطريق إلى 6 آلاف سنة قبل الميلاد، وفي الطريق المحادي يوجد مسلك الاكتشاف وهو عبارة عن واحات تقع إلى شرق تمنراست، تنتشر بها بيوت صخرية من نوع الغرانيت. ويتفرع عن المسلك مسلكان آخران أحدهما يقود إلى حصن تحول إلى أطلال، والثاني يؤدي إلى قرية بها أكواخ، قال مرشدنا إننا لن ننتهج أيا منهما، ومررنا بمسلك النحوتات التي أبهرتنا بمقاومتها السنين ومحافظتها على نفسها من عوامل التحت والتعرية. كان طريقنا محفوفا ببعض الحيوانات الخاصة بالمنطقة كالجمال التي رحبت بنا هي الأخرى وراحت تقترب منا وتستعرض جمالها ورشاقتها ونحن نلتقط لها الصور، وما شد انتباهنا هو حيوان ''اكوكا'' وهوعبارة عن نوع خاص من القوارض يشبه الفأر في مظهره وشكله إلا أنه بحجم الأرنب.
العين المالحة قبلة السياح الأجانب

تنافس العين المالحة بمدينة تمنراست منطقة الأسكرام في استقطاب السياح الأجانب. ففي الطريق إلى بلوغ هذا المكان، يستمتع السائح بمشاهدة أشهر جبال الهقار، الذي أصبح مشهورا بنفس درجة لاجوكوند. فجبل أدريان يعد من بين أهم وأجمل جبال الهقار الذي فرض نفسه كمعلم هام يستقطع خلاله السياح رحلات السفاري من أجل التقاط صورهم هناك، حيث يحتل هذا الجبل مكانا هاما في صحرائنا الشاسعة وموقعه يعطي للمتوجه نحوه، حتى وإن كان يسير في طريق مستقيمة، أنه يدور أويطوف حوله.

وفي الطريق لبلوغ هذا الجبل مررنا عبر طريق عين شبي الوعر باعتباره مزيجا بين الرمل والصخور، ما دفع بالسائق إلى توخي الحذر حتى لا يقع في فخ الرمال، ما يتطلب مساعدة لجره إلى الطريق الصخري. وتحيط بالطريق أشجار متنوعة تختلف كثيرا عن تلك التي نجدها في الشمال، فهنا الطبيعة لها كبرياؤها ولا تريد أن تتشبه بالطبيعة في الشمال، تماما كما هو حال المرأة الترقية التي ترفض التشبه بنساء الشمال. ومن بين الأشجار التي صادفناها في طريقنا وراح مرشدنا محمد منصور يعدد أسماءها علينا بلهجته المحلية، شجرة الطلح، وشجرة ثراث نشويخ، وأخرى تلقب بالكرنكة. أما العشبة التي استوقفتنا، فهي تشبه إلى حد كبير نبتة الشيح، غير أنها أطول منها قليلا ولونها أصفر، تدعى ثانطيت، وهي الأخرى ذات استعمال علاجي، وتعرف لدى سكان الشمال ب فتات الحجر. وكما يدل عليها هذا الاسم فتستعمل كمغلى أو منقوع يداوم عليه الشخص المصاب بحصى في الكلى أو المرارة حتى تتفتت نهائيا ويشفى المريض، وصادف أن كان من بين مرافقينا في الرحلة أحد الأطباء الذي أكد ما قاله لنا مرشدنا الذي توقف لجمع القليل منها.
انتهت بنا الطريق بالقرب من بناية إسمنتية مربعة الشكل توجد حولها بعض أشجار النخيل، تخيلنا لدى دخولنا لها أننا ندخل إحدى الزوايا، حيث توجد أربع غرف داخل هذه البناية تحيط جميعها ببئر تخرج منها مياه معدنية غازية طبيعية، تنبع منذ آلاف السنين، طعمها مالح نوعا ما وباردة جدا وكأنها تخرج من ثلاجة، زد إلى ذلك امتلاؤها بالغازات، كما أنها جد خفيفة وقدر ما شرب الواحد منها يشعر أنه بحاجة إلى شرب المزيد منها.

لا تغطي الترقية وجهها لكنها ترتدي ''البازال'' : عن ثقافة سكان المنطقة من الفلكلور والشعر والألعاب والرقص، وأم الرقصات المشهورة هي رقصة الجمال على وقع أنغام التيندي ورقصة ''الايلولقان'' ورقصة ''الاسوات'' ورقصة ''الجاقمي''، وتستعمل في هذه الرقصات آلة الامزاد وهي موسيقى الإلهام تعزفها المرأة للرجل وغالبا ما تعزف في الظلام، وكان الإنسان الترقي يستعملها للتبصر وإراحة النفس والتفكير في الأمور المصيرية سواء الشخصية أو القبلية.

وطالما ارتبط في اعتقاد العامة عن عادات مجتمع التوارق أن الرجل إنما يلجأ إلى استعمال قماش الشاش لتغطية وجهه وتلثيمه لحماية نفسه من غبار الصحراء وحرارة الجو، وهو ما كنا نعتقده أيضا إلى أن أوضحت لنا قائدة ''تليلت نهقار'' أن زي الرجل الترقي أو الرجل الأزرق، مرتبط بموروث حضاري قديم، حيث من غير اللائق أن يفتح المرء فمه ويغلقه أمام الآخرين أو أن يتناول طعامه علانية، قالت إحدى النساء الترقيات اللواتي استقبلننا في خيامهن، فهناك حرمة قدسية للفم منذ قديم الزمن عند التوارق. إلا أنه قد نسي مع الزمن وأصبح استعمال الخمار أو الشاش نوعا من العادة بحكم الاستمرار. وصار شباب التوارق يتباهون باللثام فينتقونه من أفخم أنواع القماش الملون ويرتدونه بشكل أنيق. ترتدي المرأة الترقية لباسا خاصا مصنوعا من قماش لا يصنع محليا وإنما يستورد من الدول المجاورة خصوصا مالي، حيث ترتدي المرأة خراطة طويلة مصنوعة من قماش النيلة يطلق عليه باللغة العامية ''البازال''، وهومتوفر في جميع الألوان، عكس لباس الرجل الذي يقتصر على اللون النيلي. ترافقها انتعالها لنعال مصنوعة من الجلد الخالص تكون مريحة بالنسبة للتجوال في المناطق الصحراوية. أما بالنسبة للباس العروس الترقية فيطلق عليه اسم ''تسغست''، وهوعبارة عن ثوب عريض باللون النيلي ترتديه فوق فستان أبيض من القماش القطني العادي، فيضفي عليها لمسة جمالية خاصة تزيد من سر جمال بشرتها السمراء، قالت محدثتنا.
بطاقة فنية لولاية تمنراست : تقع ولاية تمنراست في جنوب الجزائر، مساحتها 906,557 كم وتبعد عن الجزائر العاصمة ب 2000 كلم. يحدها من الشمال ولاية غرادية وولاية ورقلة ومن الشرق ولاية اليزي ومن الغرب أدرار ومن الجنوب دولة النيجر ودولة مالي. وهي الولاية الكبرى في المساحة. ومع أنها تقع في قلب الصحراء إلا أن ولاية تمنراست ولاية تارقية مناخها مختلف يعم عليه الاعتدال نظرا لتضاريسها الجبلية. تقع عاصمة الولاية تمنراست على ارتفاع 1400م عن سطح البحر وهي من أكبر ولايات بالجزائروتضم سلسلة جبال الهقار التي بها أعلى قمة جبلية بالجزائر وهي الأتاكور 3003 متر. عدد بلديات تمنراست 10 وهي تمنراست (بلدية+دائرة تضم بلديتي تمنراست وإن أمقل)، أبلسة وهي بلدية تابعة لدائرة سيلت، أدلس تقع شمال الولاية على بعد220 كلم هي من التقسيم الإداري لسنة 1984 تعرف بإنتاجها لثمرة العنب التي تشتهر بها. إضافة إلى بلديات فقارة الزوى، ان غار، عين قزام، عين صالح، تاظروك، تين زاوتين وعين امقل.

المصدر

لمتابعة تطورات ملف الولاية انضم لمجموعة تمنراست في موقع فيس بوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دعوة لزيارة صفحتنا بموقع فيس بوك . اذا شعرتم بأنها تستحق التشجيع نأمل أن تسجلوا اعجابكم بها